في الرابع من آب 2020، أوّل المساء، اتّصلت هيام بابنها أحمد قعدان الذي كان يعمل كسائق أجرة. أخبرها أنّه سعيد لأنّ يومه كان مثمرًا. وأخبرها أنّه أنهى عمله للتوّ في البقاع ويقود عائدًا إلى منزله في طريق الجديدة لتناول العشاء. بعد ساعة، بدأت هيام وابنتها بتحضير العشاء بينما كان إبراهيم زوجها يصلّي في غرفة الجلوس.
عند السادسة وسبع دقائق، هزّ انفجار كبير المبنى، ركضت هيام صوب الشرفة وتبعها زوجها وابنتها. وهناك وراء الأبنية رأوا سحابة من الدخان الأرجواني. ارتجفت هيام وانقبض قلبها. وفورًا حملت الهاتف وبدأت الاتصال بأحمد. وبعد محاولات عدّة، ردّ عليها شخص أخبرها أن أحمد مصاب في الجميزة.
هرعت هيام وإبراهيم إلى الخارج وقادا الدراجة النارية باتجاه الجميزة. بدا الشارع كارثيًا. لم يكن يشبه شيئًا عايشاه من قبل ولا حتى الحرب اللبنانية. أوقفا الدراجة من كثرة الدمار والزجاج المحطّم وأكملا سيرًا. وهناك رأيا سيارة تشبه سيارة أحمد، وكان ركام أحد الأبنية المجاورة سقط على جهة السائق. أكملا المسير وهما يصلّيان ألّا تكون سيارة أحمد. فتح إبراهيم الباب فسقطت محفظة أحمد. وفي المقعد الخلفي، كان هناك قالب حلوى سليمًا في علبته.
علم إبراهيم وهيام أنّ أحمد نقل إلى مستشفى الوردية القريب وفي موقف السيارات ووسط الدمار، كان أحمد ممددًا على لوح خشبي مغطّى بالدماء وعيناه مفتوحتان. أخذ إبراهيم يواسي ابنه الذي حاول الرد إلّا أنّ الدماء كانت تخرج من فمه بدلًا من الكلام.
بعد لحظات، سمعت هيام صوت سيارة إسعاف تقترب فهرعت إلى الطريق واعترضت طريقها متوسّلةً المسعفين إنقاذ ابنها. كانت السيارة مليئة بالضحايا ولكنهم استطاعوا حشر أحمد بينهم وانطلقت السيارة بسرعة إلى مستشفى مار يوسف. أما هيام وإبراهيم فوجدا من يقلّهما ولحقا بأحمد.
مرّت ساعات قبل أن يُدخل أحمد لتلقّي المساعدة الطبية. وكانت تلك المرة الأخيرة التي رآه والداه حيًّا. فعند الواحدة، خرج الأطباء ليخبروهما أنّ أحمد لم يصمد إذ كان مصابًا بكسر بالغ في الجمجمة.
“لا يوجد ما هو أسوأ من خسارة شخص رآه قلبكِ قبل أن تراه عيناكِ.. شخص حملتيه تسعة أشهر في أحشائك.. شخص أكل وشرب معك قبل أن تريه. ثم تخسريه بهذه الطريقة”.
لم تحضر هيام جنازة أحمد في اليوم التالي بعد أن فقدت الوعي حين رأته مكفّنًا أمام مبنى منزلها. ومنذ ذلك اليوم وهيام وإبراهيم يزوران قبر ابنهما يوميًا.
بعد أسبوع من مقتله، بلغ أحمد الثلاثين.