في الرابع من آب 2020، في أول المساء، كانت زينة نون في مطعم العائلة في بلدة مشمش الواقعة على بعد 60 كيلومترًا شمال شرق بيروت. كانت في انتظار ابنها الأصغر، ويليام، الذي كان يشتري اللحم من قرية مجاورة. أما زوجها، طوني، فكان يأخذ قيلولة في المنزل، وكانت ابنتهما نانسي قد غادرت لتوّها مقر عملها في بيروت في طريقها إلى المنزل.
عند السادسة وسبع دقائق، هز انفجار مزدوج العاصمة. رأت نانسي كل شيء يتهاوى من حولها على طريق الكرنتينا البحرية. انهار سقف سيارتها فوقها. اتصلت بويليام مذعورة وأخبرته أنّ انفجارًا قريبًا قد وقع. أغلقا الخط واتّصلا بشقيقهما جو الذي كان عنصر إطفاء في فوج الكرنتينا، غير أنّ هاتفه كان مغلقًا. فاتصلا بخط الهاتف الأرضي لفوج الإطفاء، لكن من دون جدوى.
سمعت زينة زبائن المطعم يتحدثون عن وقوع انفجار في بيروت. تفقدت نانسي وحاولت الاتصال بجو قبل أن تبعث له رسالة صوتية على واتساب تسأله فيها: “أين أنت حبيبي جوتو؟ اتصل بي عندما تستطيع التحدّث”. ثم اتصلت بطوني وأيقظته وأخبرته عن الانفجار وعن تعذّر الوصول إلى جو أو التحدث إليه. وصل طوني إلى المطعم بعد بضع دقائق. كما عاد ويليام بدوره إلى المطعم وما لبث أن رأى على هاتفه مشاهد انفجار في مرفأ بيروت.
تجمّع الأقارب والأصدقاء في المطعم. حاول الجميع الاتصال بجو. عند حوالي الساعة السابعة، ردّ زميل جو على هاتفه. أخبرهم أن عناصر الإطفاء الذين نجوا من الانفجار ما زالوا يبحثون عن جو وزملائه.
عاد ويليام بسيارته إلى بيروت مع أصدقائه. وصلوا إلى العاصمة وركنوا السيارة واتجهوا نحو مركز فوج الإطفاء. وجده مدمرًا بالكامل. تمكن من ركوب سيارة للدفاع المدني أوصلته إلى داخل المرفأ حيث وجد عناصر الإطفاء جالسين على الأرض يبكون وسط دمار مرعب.
غادر المرفأ وبدأ يدور من مستشفى إلى آخر بحثًا عن جو. كما ساعد الأقارب والأصدقاء في البحث عنه.
بعد ساعات قليلة، تلقى طوني على هاتفه صورة لثلاثة رجال يحاولون فتح بوابة مستودع في المرفأ. تعرف على ابنه جو على اليسار. اتصل بويليام وطلب منه العودة إلى المنزل.
كان طوني قد شاهد لقطات للدمار الهائل للمدينة على شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي. عندما تلقى الصورة، أدرك أنّ ابنه لم ينج من الكارثة.
تم العثور على بعض أشلاء جو بعد بضعة أيام. ودُفن في 12 آب.
في ذكرى أربعين جو، تلقت عائلته مكالمة من موظفي أحد المستشفيات. لقد عثروا على بقية أشلاء جو. كانت قد دفنت في تابوت آخر.
كلما كان جو يخرج لإطفاء حريق، كان يرسل رسالة إلى زينة يقول فيها: “ماما، أنا بخير”. لم يرسل لها أي كلمة في ذلك اليوم. استعمل واتساب للمرة الأخيرة في تمام الساعة الخامسة وثلاث دقائق.