في الرابع من آب 2020، في أوّل المساء، غادرت روان مستو منزلها متّجهة إلى عملها في مار مخايل. دوامها يبدأ عند السادسة. قبّلت والدتها منى، حملت كيس الغداء ونزلت الدرج مسرعة. ريما شقيقتها ذهبت للقاء أصدقائها، فيما كان شقيقهما الأصغر ألان في العمل.

عند السادسة وسبع دقائق، هزّ انفجار شقة منى. هرعت إلى الدرج تبحث عن أولادها. في الطريق، كان الناس من حولها في حالة صدمة. وجدت ابنها في عمله وما هي إلّا دقائق حتى انضمّت ريما إليهما. لكن عبثًا حاولوا الاتصال بروان. وأثناء محاولتهم الوصول إليها، اتصل شقيق منى من سوريا بعد أن رأى على التلفاز انفجارًا هائلًا في مرفأ بيروت ومشاهد مروّعة في المنطقة.   

استقلّت منى وألان سيارة أجرة أنزلتهما على بعد كيلومترين من البار الذي تعمل فيه روان لتعذّر الوصول بسبب كثرة الدمار. سار الاثنان بصعوبة بين الركام. كان الضحايا في كل مكان.. تقول منى إنّها لن تنسى في حياتها ما رأته في ذلك اليوم. وصلا إلى البار وبدآ سؤال الناس في الشارع عنها، عن “الصبية اللي بتشتغل ب سيرانو؟”

في تلك الليلة، بحثت العائلة وأصدقاؤها عن روان في كل مستشفيات المدينة ولكن بلا جدوى. وعند الصباح الباكر عادت منى إلى المنزل لتستحم وتغيّر ملابسها قبل أن تواصل البحث. عند العاشرة، اتصل بها أصدقاء روان يقولون إنّهم وجدوها في إحدى مستشفيات بيروت. للوهلة الأولى شعرت منى بالسعادة لكنها سعادة لم تدم سوى هُينهات قبل أن يخبروها أنّهم وجدوها… (ميتة). لم تكمل منى تلك الجملة أثناء حديثنا معها وإلى اليوم لم تستطع إكمالها.

في المستشفى انهارت منى.”تمنّيت لو فقدت البصر ولم أرها كما رأيتها في ذلك اليوم. بعد كل البحث يبقى لديكِ بعض الأمل بأن تريها حيّة، ولكن بدلًا من ذلك وجدتها قد غادرت هذه الحياة”.

لا تزال منى تبحث عن روان في كل مكان وتقنع نفسها بأنّها سافرت وأنّها ستعود يومًا إلى البيت. وفي كل مرة تغادر منزلها، تتمنّى أن تراها خارجةً من أحد الأزقّة أو من إحدى السيارات. “عقلي يرفض أنّها رحلت”.

منذ الرابع من آب، تواظب منى كل صباح على تحضير القهوة لها ولروان. تسكب فنجانين وتجلس على الكنبة كما كانت تفعل كل يوم مع ابنتها وهما تستمعان إلى فيروز، مغنيتها المفضلة. منذ اليوم المشؤوم لم تعد منى تحب الاستماع إلى فيروز.

في 29 تموز، قبل أسبوع من مقتلها، بلغت روان العشرين من العمر.