في الرابع من آب 2020، في أول المساء، اتصل غسان حصروتي بزوجته ابتسام ودردش معها طويلًا. كان من المفترض أن يعود إلى المنزل لتناول طعام الغداء، لكنه تأخر في العمل في مرفأ بيروت حيث كان يدير غرفة عمليات الإهراءات. كان يُفترض به قضاء الليلة في المرفأ فطلب منها إرسال وسادة وبطانية له مع زوج ابنته.

بعد انتهاء المكالمة، استلقت ابتسام على الأريكة في غرفة الجلوس بمنزل العائلة في سن الفيل. كانت ابنتها رامونا، التي كانت حاملًا في شهرها التاسع، نائمة هي وزوجها في الداخل، بينما كانت تاتيانا، ابنتها الصغرى، نائمة في سريرها.

عند السادسة وسبع دقائق، هزّ انفجار مزدوج المبنى. تحطم زجاج النوافذ في جميع أنحاء الشقة. هرعت تاتيانا إلى غرفة الجلوس وشغّلت التلفزيون. بعد بضع دقائق، شاهدت العائلة لقطات لانفجار مروّع وقع في المرفأ. تسمّرت ابتسام في مكانها وصرخت تاتيانا: “بابا!” حاولوا الاتصال بغسان، لكن من دون جدوى.

في منزل العائلة الآخر في منطقة الشوف، كان ابنهما إيلي يتصفّح الأخبار على هاتفه على مواقع التواصل الاجتماعي. اتصل بعائلته فأخبروه أنّ والده في العمل. اتصل بوالده عدة مرات لكن أيضًا من دون جدوى. ركب سيارته وتوجّه إلى بيروت.

في المنزل، تقاسم أفراد الأسرة المهام: اتصل البعض بالمستشفيات بينما نشر آخرون خبر فقدان غسان على مواقع التواصل الاجتماعي. كان منزلهم مكتظًا بالأصدقاء والأقارب الذين قرروا المساعدة في البحث عنه في المستشفيات في جميع أنحاء المدينة.

بعد يومين من الانفجار، بدأت الآليات بإزالة الأنقاض بالقرب من مركز عمل غسان. أحصى إيلي الجثامين التي تم العثور عليها واحدًا تلو الآخر. بعد خمسة أيام، بينما كان والده لا يزال في عداد المفقودين، أعلن الجيش عن توقف عملية البحث عن ناجين. اعترض أفراد أسر المفقودين على قرار البدء بعملية الحفر من دون أي اعتبار لاحتمال وجود ناجين بين الأشخاص الذين كانوا لا يزالون مفقودين. “نحن بشر ولسنا مجرد أرقام. بقينا مصرّين، حتى اليوم الأخير، على معرفة مصيره؛ وحتى اللحظة الأخيرة، كنّا مصرّين على احتمال أن يكون على قيد الحياة. لا يمكننا إعلان وفاة شخص من دون أي دليل”، يشرح إيلي.

في اليوم الثامن، تم العثور على آخر جثتين. كان إيلي متأكدًا من أنّ إحداهما تعود لوالده، لكنه انتظر نتائج فحص الحمض النووي. في اليوم الرابع عشر، تلقى مكالمة تخبره أنّ الحمض النووي لإحدى الجثتين كان مطابقًا للعيّنة.

عمل غسان في المرفأ طوال أربعة عقود. كان يحلم بالتقاعد مع زوجته في القرية والعمل في حديقته محاطًا بأولاده وعائلاتهم.

أُقيم دفن غسان في 20 آب. لم تتمكن رامونا من حضور الجنازة. فقد وُلد طفلها في 10 آب بينما كان البحث عن والدها لا يزال جاريًا.

A minute of mourning for the victims of the Beirut Port explosion.

04 . 08 . 2020    18 : 08

04 . 08 . 2020 18 : 08