في الرابع من آب، غادرت كريستيان الخوري عملها في مرفأ بيروت عند الخامسة والنصف.  كان زوجها محمد طليس قد وصل لتوّه إلى دوام عمله الليلي في المرفأ. يعمل الاثنان في الشركة نفسها قرب البوابة رقم 14 حيث التقيا عام 2006 وأغرما ببعضهما البعض.

قادت كريستيان سيارتها إلى الحضانة لتقلّ طفليها وتتّجه إلى سن الفيل.

عند السادسة وسبع دقائق، ومع وصولها إلى وجهتها هزّ انفجار المنطقة محطّمًا نوافذ المحلات القريبة. سمعت كريستيان الناس يصرخون ويتحدثون عن انفجار قريب. فهرعت عائدة إلى منزلها في الأشرفية.

وفي الطريق بدأت تتلقّى اتصالات من أقاربها يسألون عن محمد قبل أن تعرف أنّ الانفجار وقع في المرفأ. كان الطفلان قد ناما في المقعد الخلفي فحملتهما إلى الشقة واتصلت بزوجها لكن هاتفه كان مغلقًا. فاتصلت بالرقم الأرضي ليخبرها أحد الزملاء أنّ محمد بخير ولكنه غير قادر على الكلام في تلك اللحظة وانقطع الخط. تنفّست كريستيان الصعداء بعد أن عرفت أنّ زوجها بخير.

لكن مرّت ساعات من دون أن تسمع أي خبر من محمد. فبدأ أقاربهما وأصدقاؤهما البحث عنه في المستشفيات وبدورها كريستيان أرسلت طفليها مع قريب لها إلى منزل والديها وانضمّت إلى عمليات البحث.

في السادس من آب، وصلت إلى أشقاء محمد معلومات بأنّه قتل وبأنّ جثمانه موجود في الجامعة الأميركية في بيروت. وهناك في المستشفى أصرّت كريستيان على رؤيته. فسمح لها الممرضون بذلك شرط ألّا تقترب منه. وبالفعل دخلت كريستيان ووقفت على بعد أمتار حيث رأت طرف وجهه فقط. وكان شقيقه إلى جانبه يعانقه.

في اليوم التالي، أثناء توجّه العائلة إلى البقاع لدفن محمد، تلقّى خاله اتصالًا من السفارة الفرنسية في بيروت يبلغه بأنّ الجثمان ليس لمحمد بل لمواطن فرنسي، ويحثّه على إعادته. توقّف موكب التشييع وارتبك الجميع. حينها نظرت كريستيان عن قرب إلى الجثمان لأول مرة ولكنها لم تتعرّف على أي شيء مما يرتديه.

أصرّ شقيق محمد أنّه جثمانه. وحاولت كريستيان إقناعه بالعكس وبأنّ لديها أمل بأن يكون محمد على قيد الحياة. وفي النهاية، قرروا إعادة الجثمان ومواصلة البحث عن محمد. وفي اليوم التالي، أخذت قوى الأمن الداخلي عيّنات حمض نووي من والدَي محمد.

في 14 آب، سمعت العائلة بأنّ هناك جثة في مستشفى في بيروت منذ الخامس من آب. كانت موضوعة في كيس أسود داخل البرّاد منذ أيام. وعند إجراء فحص الحمض النووي، أظهرت النتيجة تطابقًا مع الحمض النووي للعائلة، إلّا أنّ كيان شقيق محمد لم يقتنع وطلب إعادة الفحص، وفي المرة الثانية ظهرت النتيجة نفسها. ولكنه لم يقتنع وقرر إعادة الفحص في مختبر خاص.

في 17 آب، عند الساعة 11 صباحًا، تلقّت العائلة النتيجة وكانت مطابقة للمرة الثالث. وبعد ظهر اليوم نفسه، دفن محمد في قريته شعت.

طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة أصرّت كريستيان على رؤية صورة الجثمان التي رآها أشقاء محمد. أرادت أن تتأكّد أن الشخص الذي دفنوه هو محمد. ورغم أنّ الجميع أكّدوا أنه هو، ورغم تطابق الحمض النووي، إلّا أنها لا تزال حتى اليوم غير مقتنعة.  

A minute of mourning for the victims of the Beirut Port explosion.

04 . 08 . 2020    18 : 08

04 . 08 . 2020 18 : 08